كانت خطتي أنا و نيفينا أن نبدأ أول تخصص بطب الأسرة، حتى نعتاد تلقائيا على فكرة الدوام و فكرة أننا أطباء بهدوء و بتدرج، و برأيي هذا أفضل قرار على الأطلاق !
لا تنسوا أننا لا نزال في بداية الصيف، أي معناه أنك تخرج من المنزل و البيت كله نائم J
و هذا طبعا لمن يعرفني يعرف أنه يغيظني جدااااااااا، خصوصا و أنني من عائلة معلمين بنسبة 100% ! هذا غير طقوسنا العائلية الخاصة بمن يداوم و من يأجز أولا J
تخصص طب الأسرة واحد من التخصصات الممتعة و المهمة جدا خصوصا مع رؤية 2030 .. لكنني لم أحب فقط فكرة العمل داخل المستوصف، أحب المباني الجميلة ذات السقف العالي و لذا فضلت اختيار المستشفيات التي فيها تخصصات طب الأسرة ..
في مكة توجد مستشفى قوى الأمن و مركز القوات المسلحة لطب الأسرة..
للأسف لا يقبل أي من المكانين أعلاه أطباء الامتياز للتدريب عندهم،
فاخترت مستوصف الكعكية، مستوصفي كما أحب أن أطلق عليه دائما
ما باليد حيلة
بالمناسبة دعوني أخبركم مصطلحات اكتشفتها بطريقة سحرية كنت قبل عدة أيام أشرحها لعائلتي..
المراكز الصحية هي مراكز الرعاية الأولية Primary Health Care Centers
المستشفيات العادية هي الثنائية Secondary Health Care Centers
اما مستشفى كمدينة الملك عبدالله الطبية فهي لا تستقبل إلا المرضى المحولين فقط و تسمى Tertiary Care Centers
سبق أن زرت مركز الكعكية كطبيبة أيضا أيام دراسة مقرر طب الأسرة، لمدة أسبوع واحد و صادف أنه أسبوع حملة شلل الأطفال و كان المركز فارغا جدا و لا يستقبل المرضى إلا لأجل صرف الأدوية..
على كل أخبرونا قبلها اننا لابد أن نذهب لمركز الإسكان الصحي أولا لتسلم خطابات التدريب و من ثم إعطاؤها لنفس المركز الذي سنتدرب فيه.
زرت مركز الإسكان و تسلمت الخطاب ، ثم توجهت لمركزي الجميل برفقة والدي، سألت أثناء دخولي مركز الاستقبال عن المكان الذي يفترض بي تسليم ورقتي له، أخبرتني أن أتوجه عند د.سارة
دخلت و بعدها توجهت عند المدير لتسليم ورقتي و بسم الله J
أول توقيع حضور J
الأمر ممتع جدا !
هاقد كبرت و ها أنا أوقع حضوري في مكان عملي J
سألت عن وقت بداية الدوام لأن أمي مصرة جدا على وقت دوام المركز من الساعة التاسعة، أخبرني أنه من الثامنة صباحا. جيد
و عدت للداخل ...
كان المركز فارغا جدا على غير العادة، ظننت أن هذا بسبب أننا في إجازة الصيف، عدت للداخل عند نفس الطبيبة، كنا نتناقش و من ضمن النقاش و لأول مرة أخيرا فهمت نظام غرف العيادات في المركز. غرفتها أي عيادة 2 كانت للأخصائية، و تستقبل الأمراض المزمنة الdiabetes and hypertension
بعد مرور وقت ليس بالقصير علمت أن عيادة 1 و 3 عيادات الطبيب العام و تستقبل جميع الحالات، أحب العيادات ففيها تستطيع مقابلة الكثيرين بمختلف الاعمار و الجنسيات و الطبقات و المستويات و مختلف الشكوات كذلك.. لذا فضلت قضاء بقية اليوم فيها ...
خرجت و بالمصادفة اخترت عيادة رقم 3، دخلت و استأذنت من الطبيبة بالجلوس معها،
أحببت الطبيبة جدا فهي لطيفة و تهتم بالمرضى و ابتسامتها لا تفارقها،
لكن اليوم لم يخلو من بعض المرضى، كنت بعد كل مريضة تراودني أسئلة محيرة جدا،
و هنالك المرضى المثيرون للعجب، و المرضى الآخرين صعبي التعامل ...الأطفال و الكبار و كل البشر حرفيا!
سأحكي ملخص ما حصل في أيامي الخمس الماضية في التخصص خلال تدوينة واحدة ، و فقط هذه المرة ^^
أحببت المكان و البيئة جدا جدا، و أعتقد أنني لن أمانع بعد الآن إن عملتُ في مستوصف!
الطاقم هناك مرحب جدا و تشعر كأنك فعليا في المنزل، و كأنك تعرفهم منذ زمن طويل، من طاقم التمريض و الإستقبال و العاملين و الطبيبات كذلك!
كل يوم نبدأ بتوقيع حضورنا في مكتب المدير، و الذي يقع في قسم الرجال ..جميع العاملات في القسم يوقعن في قسم النساء ما عدا أطباء الامتياز فمستند توقيعهم مختلف و عند مكتب المدير.
نسيت إخباركم أن مكتب المدير به كاميرات مراقبة، و التي ما أنفك يوميا في مراقبتها و النظر لها و خصوصا انعكاس صورتي على الشاشة أثناء انتظار انتهاء صديقتي من التوقيع,,
في اليوم الأول و الثاني قابلت العديد من المرضى برفقة د.روان، أكثر من أتذكرهم من المرضى ذلك اليوم هم فتاة شابة بإفرازات خضراء و طفلة في الثالثة عشر أتت بنتيجة تحليل البول الخاص بها للمراجعة، بعد أن كانت قبل أسبوع مصابة بالتهاب شديد،
أجمل شيء في المركز تعليم المرضى و تثقيفهم، و التي أحرص دائما بكل ما أوتيت بتبسيط و توضيح المفاهيم و تولي شرح كيفية حدوث المرض لهم، الأجمل أن الطبيبة لا تمانع مداخلاتي فكلتانا من نفس الفريق و نعمل سويا، أحببت كثيرا قضاء الوقت هناك في تلك العيادة ..
تنوع اللهجات و الثقافات أيضا شيء ملحوظ، هنالك سيدات كبيرات في السن أقسم أنني لا أفهم معظم الكلام اللاتي يقلنه، مصطلحات صعبة لم أسمع بها قبلا!
لحسن الحظ أنهن غالبا ما يأتين برفقة فرد شاب في عائلتهم يتولى مهمة التوضيح للطرفين
لكنني استطعت فهم بعد المصطلحات :
ورمة تعني انتفاخ أي edema
و كثير من المرضى يعانون منها.
أيضا مريضة بعمر 24 عاما أي بمثل سني تقريبا لديها 8 أطفال ماشاء الله! أتت تشكو من آثار جانبية نعرفها لحبوب الcontraception
الجدير بالذكر أن الكثير من المحاضرات التي درستها أيام كورس طب الأسرة في الكلية و لم أكن أعتقد أن المرضى يأتون للشكوى منها في المركز الصحي قد أتوا فعليا و رأيتها بأم عيني !
يوم أخر كانت لدينا محاضرة عن طب المسنين في الطابق الثاني في قسم التدريب و التعليم في المركز! كان واحدا من الأيام الممتعة و المفيدة جدا جدا استمتعت و استفدت كثيرا من محاضرة د.عاصم! و بالطبع كم أنا فخورة بما درست على يديه و أنني ما زلت أذكر ما تعلمت منه حرفيا!
شعور الانتماء عندما تكبر و تشاهد أستاذا أو طالبا من كليتك شعور رائع !
خلال حديثي مع استشارية في طب الأسرة أثناء المحاضرة علمت أنها المسؤولة عن تقديم محاضرة العنف غدا، أخبرتها باهتمامي كثيرا بالطريقة الصحيحة و الaction الفعلي الذي يجب أن أعرفه إن صادفت حالة كهذه، و هو موضوع مهم جدا بالنسبة لي، كيف يمكنني أن أحمي مريضي؟!
لم تجبني و أخبرتني أن آتي غدا للاستفادة من الموضوع J مما زاد من حماسي !
كان الكورس مفيدا جدا و رائعا تعلمت منه الكثير.
و أتى غدا اليوم المنتظر، يوم اكمال كورس المسنين! و لأنني كنت سأذهب للمحاضرة فقط – و يال مصيبتي- لم أحضر لاب كوتي معي! لم نحتجه بالأمس و سبق أن أخذنا الإذن لحضور المحاضرة.
و لكن المصيبة و الكارثة حصلت عندما أخبرتنا الطبيبة المسؤولة عننا أننا لا نستطيع الحضور اليوم و يجب أن " نمسك العيادة"
وحدنا J حيث أنه تم تكليف واحدة من الطبيبات و بالتالي ستكون العيادة فارغة !
لم يكن هذا وحده كاف بإزعاجي بل بسبب أنني طبيبة و " لابسة العباية" حرفيا J
الحل الوحيد كان لفقط تخفيف من شعور الاحراج داخلي هو أن ارتديت بطاقتي فوق العباءة لاضفاء قليل من الرسمية على مظهري J
لم يكن هذا كفيلا وحده بإزعاجي، بل زاد الطين بلة الختم التعيس J
اعتقدت أنني أتقنت فتحه و استخدامه لأفاجأ بعد أول استخدام له لختم ورقة المريضة أن أصابعي كلها في اليدين أصبحت زرقاء اللون J
طبيبة بالعباءة و يدها زرقاء من الحبر ><
و الحبر التعيس وقتها أصبح خارقا و سوبر حبر حتى الصابون و الماء لم يزله أبدا J
دعونا من الشكليات قليلا و دعوني أحكي لكم عن مرضاي و عن طبيبتهم الرائعة J
تناوبت أنا و صديقتي على علاج المرضى في عيادتنا عيادة 1، كان هنالك طبيب عام مشرف تركنا نعمل و هو يناقشنا و يتكفل بالجواب إن لم نصل للحل أو لو لم نعرف ماذا نفعل.
أتتني سيدة مسنة تحمل كالعادة كيس أدوية كبير! لم أعمل شيئا و طلبت منها أولا أن تذهب لقياس الضغط و السكر و تأتي إليّ! لم تكن تعاني من الاثنين و الحمدلله، و كم كانت سعادتها بالغة عندما غادرت الغرفة بدواء واحد فقط كما تعلمت من د.عاصم J
دعواتها لي و سؤالها عن ما إذا كنت سأكون موجودة يوم الأحد؟ و فرحها عندما أجبتها بالإيجاب! من أكثر المشاعر الرائعة التي شعرت بها بأهمية طبيب المسنين، كنت أحرص على التكلم بهدوء معهم، و توليتهم كل الاهتمام و السماع بصبر لكل شكواهم، و إعادتي للتعليمات الطبية لهم أكثر من مرة و تركهم يخبرونني بما سيفعلونه، استجابة المرضى و ردود أفعالهم و سعادتهم عندما غادروا عيادتي J
جديا أصبحت أفكر في التخصص ك Geriatrician
التعامل مع المسنين يحتاج للصبر و التعاطف و أشياء أخرى أنا أملكها بالفطرة J
أيضا المذاكرة في كلية الطب بأمانة كانت من أكثر الأشياء التي شعرت بقيمتها و أهميتها ذلك اليوم، كيفية حصول مرض الأكزيما و علاقته بالربو و حساسية الطعام ، و هو شيء يعرف ب allergic march ، استفدت كثيرا مما درسته خصوصا ذلك اليوم في طب الأطفال و الجلدية !
كان ذلك اليوم أحد الأيام القليلة التي أحببت فيها التعامل مع المرضى وجها لوجه و شعرت بأنه rewarding !
مضى ذلك اليوم على خير و أكملت بعد الظهر بقية محاضرات المسنين !
بعد يومين كنت أختم ورقة تحليل فيتامين د من غرفة الأخصائية لأفاجأ بمريضة داخلها تخبر الطبيبة أنها قابلتني و أنني قرأت التحاليل لها !
الصدمة ألجمتني ! أنا لا أتذكرها على الإطلاق J و بعد محاولات منها لتذكيري تذكرت ولكنني لا أذكرمما كانت تعاني! شيء آخر تذكرته أنني خلطت بين مريضتين ! غادرت المريضة و أتت بعدها مريضة أخرى! حالتهما كانت متشابهة فنسيت و أخبرت الأخرى أنت تأخذين هذا أليس كذلك؟ نظرت لي بشك كما لو كانت ستضربني J
كلا أخبرتك أنني لا آخذه J
آسفة J و أجل الأطباء حقا خارقون عندما يتذكرون مرضاهم J سألتهم فورا على الوصفة السحرية و ضحكوا جميعا ليخبرنني أنه مع الوقت ستتطور لدي هذه القدرة مثلهم , أتمنى بشدة حقا J
يبقى فقط نوع واحد من المرضى و الذي كان غريبا و حقيقة لا أستطيع أن أجد وصفا مناسبا له في حدود الأدب J
أولئك المرضى الذين لا يهتمون بغيرهم ! و الذين يظنون أنك تعملين عندهم J
و أن لهم الحق في الدخول و الخروج من العيادة متى ما أرادوا ! دون احترام و تقدير للمريض الآخر داخل العيادة! أحب الوقوف دائما و تأمل تصرفات الآخرين و ردود أفعالهم ! و أحب دائما أن أطور من نفسي و قدراتي لأجل التعامل مع الجميع باحترام و أدب مهما تفاوتت تصرفاتهم ! و لكنهم حقا أزعجوني كثيرا و لذلك أحببت أن أتطرق لهم J
تبقى آخر مريضة يوم الخميس و التي كانت ترفض أخذ الإنسولين لأن س من الأطباء أخبر والدها أن الإنسولين يدمر الكلى !
الحمدلله نجحنا بإقناعها أن السكر و ليس الإنسولين هو من يتسبب بفشل الكلى J
كان الله في عون المرضى يا رب ,
و انتهى اليوم بعد أن تطعمت – أخيرا- تطعيم العنقز J
و تبقى لنا الانفلونزا و المننجايتس و لكن رفقا بكتفي اليمين J
أراكم غدا بإذن الله J
تصبحون على خير و إنجاز ^-^